کد مطلب:280400 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:263

فتنة الدماء النقیة
لا شك فی أن الشیطان صد عن العبادة الحق التی تصل الإنسان بربه. وتحقق له السعادة فی الدنیا بما یوافق الكمال الأخروی، وبرنامج الشیطان الذی صد به عن العبادة. هو نفس البرنامج الذی شوه به رموز هذه العبادة لینفق الناس من حولهم، فالله تعالی اصطفی من خلقه آدم ونوحا وآل إبراهیم وآل عمران وآل محمد. كما أخبر القرآن والسنة.

فهؤلاء من دون الناس الذین أخلصهم الله تعالی لعبادته، وباختصار:

اصطفی الله الأنبیاء والرسل واختار سبحانه من عباده من یقوم بیان شریعته للناس. فهؤلاء أصحاب الدماء النقیة، بمعنی أن الشیطان لیس له فیهم نصیب، والشیطان صد عن هذا السبیل بإلقاءاته. ومن معالم هذه الإلقاءات ظهور ثقافة تبناها الجبابرة والطواغیت علی امتداد المسیرة البشریة. والعمود الفقری لهذه الثقافة. أن فی عروق هؤلاء وأسرهم تجری دماء الآلهة، ووفقا لهذا الاعتقاد الذی فرضوه علی شعوبهم. حكموا بالحدید وبالنار، وظل الحكم فی هذه الأسر قرونا طویلة نتیجة لهذا الاعتقاد، وما أن تسقط أسرة حتی تقوم مكانها أسرة جدیدة. تنطلق من هذا المستنقع الذی ابتلیت به المسیرة البشریة.

وعلی هذا الاعتقاد كان الفراعنة وملوك آشور وملوك بابل والإغریق والبطالمة، وجمیع هؤلاء احتكت بهم المسیرة الإسرائیلیة.

وتأثرت ببرامجهم المادیة والحسیة، ولقد رشحت ثقافة تزكیة الفرد والأسرة والقبیلة التی تحتویها هذه البرامج علی المسیرة البشریة فیما بعد، ورد علیها القرآن الكریم. قال تعالی: (ألم تر إلی الذین یزكون



[ صفحه 91]



أنفسهم. بل الله یزكی من یشاء ولا تظلمون فتیلا. أنظر كیف یفترون علی الله الكذب وكفی به إثما مبینا) [1] وقال جل شأنه (فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقی). [2] .

وفی آشور وبابل لم یضع بنی إسرائیل أعمدة الأسرة المختارة وإنما وضعوا أعمدة الشعب المختار الذی یدخر له الغیب أمیرا مختارا یمتلكون به الأرض، وكانت الأرضیة التی وضعوا علیها هذه الأعمدة قولهم: سیغفر لنا، ولكی یتفق هذا المدخل مع ما ارتكبوه من جرائم، نسبوا إلی الأنبیاء ما لا یتفق مع عصمتهم ومكانتهم، بمعنی أن الخطأ إذا وقع فیه الأنبیاء. فإن من دونهم یلتمس له الأعذار، وبعد أن أدخلوا أنفسهم فی دائرة المغفرة، أدخلوا أنفسهم فی دوائر التبشیر التی أخبر بها الأنبیاء عن ربهم، بمعنی إذا كان فی بطن الغیب أمه اختارها الله لقیادة البشریة ادعوا أن الأمة أمتهم، وأن الأوصاف التی بینها الأنبیاء تنطبق علیهم فی بطن الغیب لكونهم شعب الله المختار. الذین ینفردون عن الناس ولهم أفضلیتهم علی جمیع المخلوقات فی نظر الخالق، وبهذا وبغیره جعلوا الكتاب المقدس ینطق. بعد أن حرفوا النصوص وتأولوها. وبعد أن وضعوها فی غیر مواضعها.

وقولهم سیغفر لنا. أشار إلیه قوله تعالی: (وقطعناهم فی الأرض أمما منهم الصالحون ومنهم دون ذلك. وبلوناهم بالحسنات والسیئات لعلهم یرجعون. فخلف من بعدهم خلف ورثوا الكتاب یأخذون عرض هذا الأدنی ویقولون سیغفر لنا وإن یأتهم عرض مثله یأخذوه ألم یؤخذ علیهم میثاق الكتاب أن لا یقولوا علی الله إلا الحق..) [3] قال ابن



[ صفحه 92]



كثیر: یذكر تعالی أنه فرقهم فی الأرض طوائف وفرقا، فیهم الصالح وغیر ذلك، واختبرهم بالرخاء والشدة والرغبة والرهبة والعافیة والبلاء لعلهم یرجعون، فخلف من بعدهم خلف لا خیر فیهم وقد ورثوا دراسة التوراة، لا یشرف لهم شئ من الدنیا إلا أخذوه حلالا كان أو حراما ویقولون سیغفر لنا. [4] .

وقال فی المیزان: قولهم سیغفر لنا قول جزافی لهم قالوه، ولا معول لهم فیه إلا الاغترار بشعبهم الذی سموه شعب الله. كما سموا أنفسهم أبناء الله وأحباءه، ولم یقولوا ذلك لوعد النفس بالتوبة، ولا أنهم قالوا ذلك رجاء للمغفرة الإلهیة، فلیس ما تظاهروا به رجاءا صادقا بل أمنیة نفسانیة كاذبة، وتسویل شیطانی موبق، فمن كان یرجو لقاء ربه، فلیعمل عملا صالحا ولا یشرك بعبادة ربه أحدا. [5] .

ومن باب قولهم سیغفر لنا فتحوا أبوابا قالوا عندها یوما: نحن أولیاء الله من دون الناس، ویوما: نحن أبناء الله وأحبائه، ووضعوا هذه الأقوال داخل عقیدة تقول خطوطها العریضة: لیس علینا فی الأمیین سبیل، ومن هذا النسیج قاموا ببناء نظریة تفوقهم علی البشر وانفرادیتهم عن الناس وأفضلیتهم علی جمیع المخلوقات فی نظر الخالق، وانطلقوا وراء الأحبار یرددون القول بأنهم أمة فریدة تقف من الأمم موقف المختار الذی یتمتع بحقوق لیس لغیره، ولأنهم أمة فریدة فإن أمتهم عندما تموت تبعث من جدید، لأنها كالروح الحیة للأشجار، وكالأم السماویة معطیة اللبن لجمیع الموالید لیؤمنوا بالعهد الألفی السعید.

ومن التردید وراء الأحبار انطلقوا إلی دائرة العمل، وخطوطها العریضة تقول: إن داوود إختاره الإله وعینه ملكا، ومملكة داوود هی



[ صفحه 93]



عنوان ودعاء عهد الإله لإبراهیم، وأورشالیم اختارها الله عاصمة لهذا الملك، وعلی الجمیع أن یخضعوا لهذه المملكة ولعاصمتها، لأن التعبد لله لا ینفصل عن الدولة وعاصمتها، وإذا كانت الدولة قد اندثرت علی أیدی الغزاة، فإنها عندما اندثرت من علی الأرض ولدت من جدید داخل صدور بنی إسرائیل، وعلیهم أن یعملوا لبسط نفوذ الدولة وفقا لنظریة تفوقهم علی البشر وانفرادیتهم عن الناس، حتی یأتی ابن داوود أمیر السلام آخر الزمان. فهو وحده المسیح الذی سیعید المجد لإسرائیل علی أرض الواقع، وعلی الجمیع أن یخضع من الیوم لمملكته الأزلیة ولعاصمتها أورشالیم.

وهكذا جعلوا الكرامة الإلهیة سهلة التناول، وزعموا أن هذه الكرامة وضعت علی عاتق العنصر العبری. أكرمهم الله بها إكراما مطلقا من غیر شرط ولا قید، ولما كانت هذه الكرامة والسؤدد أمر جنسی خص بنی إسرائیل، جعلوا الانتساب الإسرائیلی مادة الشرف وعنصر السؤدد. والمنتسب إلی إسرائیل له التقدم المطلق علی غیره، لأن هذه الروح الباغیة إذا دبت فی قالب قوم. بعثتهم إلی إفساد الأرض وإماتة روح الإنسانیة وآثارها الحاكمة فی الجامعة البشریة، بینت الرسالة الخاتمة علی نبیها الصلاة والسلام. أن الكرامة الإلهیة لیست بذاك المبتذل السهل التناول. یحسبها كل محتال أو مختال كرامة جنسیة أو قومیة. بل یشترط فی نیلها الوفاء بعهد الله ومیثاقه والتقوی فی الدین، فإذا تمت الشرائط حصلت الكرامة. وهی المحبة والولایة الإلهیة التی لا تعدوا عباده المتقین، وأثرها النصرة الإلهیة والحیاة السعیدة التی تعمر الدنیا وتصلح بال أهلها وترفع درجات الآخرة، وبالجملة: إن الله تعالی لا یصطفی أحدا بالاستخلاف اصطفاءا جزافا. ولا یكرم أحدا إكراما مطلقا من غیر شرط ولا قید، والاستخلاف تحت سقف الامتحان والابتلاء یخضع لسنة الله الحاكمة. ومنها النقل والإقالة، ولا یخص الله



[ صفحه 94]



بحسن العاقبة إلا من یتقیه من عباده أینما وجدوا. ولقد رد القرآن الكریم علی بنی إسرائیل ومن حذی حذوهم من النصاری قولهم بأفضلیتهم علی البشر، فقال تعالی: (وقالت الیهود والنصاری نحن أبناء الله وأحباؤه. قل فلم یعذبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممن خلق یغفر لمن یشاء ویعذب من یشاء). [6] ورد علی بنی إسرائیل قولهم بأنهم مغفور لهم. وأن مسیرتهم نحو أهدافهم مسیرة یتعبدون فیها لله، فقال جل شأنه (قل إن كانت لكم الدار الآخرة عند الله خالصة من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقین. ولن یتمنوه أبدا بما قدمت أیدیهم والله علیم بالظالمین. ولتجدنهم أحرص الناس علی حیاة ومن الذین أشركوا یود أحدهم لو یعمر ألف سنة. وما هو بمزحزحه من العذاب أن یعمر والله بصیر بما یعملون). [7] .

والخلاصة: لقد أخذت المسیرة الإسرائیلیة بسنن الأولین، فأخذوا من عقائد البقر وعقائد الدماء النقیة الأعمدة التی أقاموا علیها دیمومة الكرامة والحكم، والكتاب المقدس ینفی فی أكثر من موضع مقولتهم بالدماء النقیة. ویسجل أنهم سكنوا بین الأمم الوثنیة واتخذوا بناتهم لأنفسهم نساء وأعطوا بناتهم لبنیهم. وعبدوا آلهتهم [8] وقال نحمیا فی سفره رأیت الیهود الذین ساكنوا نساء أشدودیات وعمونیات وموآبیات، ونصف كلام بینهم باللسان الأشدودی، ولم یكونوا یحسنون التكلم باللسان الیهودی، بل بلسان شعب وشعب [9] فكیف یكون نقاء الدم تحت سقف هذه الأصول وغیرها:؟.



[ صفحه 95]




[1] سورة النساء آية 49.

[2] سورة النجم آية 32.

[3] سورة الأعراف آية 168.

[4] تفسير ابن كثير 2 / 265.

[5] الميزان 298 / 8.

[6] سورة المائدة آية 18.

[7] سورة البقرة آية 94.

[8] القضاه 3 / 5 - 7.

[9] نحميا 13 / 22 - 5 2.